الأربعاء، 23 أبريل 2008

4 مايو وقصة ذو الرداء الأسود؟؟؟


يوم 4 مايو إضراب مصري آخر.

قامت نفس المجموعة التي نظمت إضراب 6 أبريل الماضي، بالإعداد لإضراب آخر يوم 4 مايو القادم، والذي سيكون بالصدفة يوم عيد ميلاد سيادة رئيس الجمهورية. ولكن هذه المرة ستشارك فيه الكثير من أحزاب المعارضة. وجميع طوائفه الإجتماعية والوطنية على حد تعبير منظمي الإضراب، بل وقد علا سقف مطالبهم إلي حد مطالبة سيادة الرئيس بالاستقالة قبل يوم 4 مايو القادم.

وتغير الشعار والمكان من "خليك في البيت" إلي "خليك قصاد باب العمارة، أو في البلكونة،
ولو أنت جامد شويتين أطلع في الشارع". الشعار من تأليفي طبعا ولكنه ملخص ما يطلبه منظمي الإضراب على موقع المجموعة.

تفاصيل الخبر على موقع قناة العربية:
http://www.alarabiya.net/articles/2008/04/21/48690.html
-----------------------------

وعندما قرأت الاقتراح حول أرتداء اللون الأسود كشعار للمضربين وتعبيرا عن حالة الغضب...قفزت إلي ذهني ذكريات أليمة.
وقد سمعتم منذ الصغر قصة ذات الرداء الأحمر...لكني سأحكي لكم قصة ذو الرداء الأسود....

كان يا ما كان في الأراضي البعيدة البعيدة،،، حيث الناس عايشه على الحديدة....
كنا نعمل في واحدة من أكبر الشركات في العالم العربي، إن لم تكن الشركة الأكبر وقتها، ونتيجة للسياسات الإدارية الفاشلة، والتي استمرت لما يزيد على العشرين عاما،
والتي أدت إلي وقوع المناصب الإدارية العليا في قبضة الأشخاص الأكثر فشلا، والأكثر قدرة على الأسفنة في زملائهم، وتسخين الناس ثم الانسحاب من دائرة الصراع.
فأصبحت طبقة الإدارة العليا "إلا من رحم ربي"، عبارة عن مجموعة من أصحاب القدرات الرديئة والمتواضعة، بالإضافة إلي أن بعضهم من أصحاب الأمراض النفسية وعقد النقص.
فأصبحت الشركة تعاني من فشل على جميع المستويات.
والقاعدة العلمية تنص على أن"الحمار بيجيب تحته حمار"، فبدأت المشاريع تنهار واحد تلو الآخر، وكل حمار يلوم غيره "يرفسوا في بعض يعني".

وبما أن الحكمة تقتضي أيضا، أنه "خذ من التل يختل"، بدأت أموال صاحب الشركة تتناقص، وسقط في الديون، وأصبح غير قادر على إعادة طلاء اليخت الخاص به، ثم بدأت عملية الانهيار وتأخر المرتبات. من مجرد التأخر لأيام معدودة، إلي التأخر بالأسابيع، ثم بالشهور، حتي وصل الوضع إلي صرف مرتبات بعض الموظفين وترك البقية بدون مرتبات "في حال وصول مبلغ من المال"، على سبيل "مشي حالك يا عمنا".

وبدأت نفس الفكرة التي نراها الآن، الموظفون غاضبون، اجتماعات ووعود بتحسين الأوضاع، ثم وصل الأمر إلي أن طلب الموظفون من إدارة الشركة، احترام آدميتهم،
وعلى أقل تقدير تنبههم الشركة إذا كان المرتب سيتأخر ومتى يتوقع صرفه؟ عن طريق إرسال رسالة بريدية في هذا الصدد. ولم تقصر الشركة بصراحة، وعداها العيب وأزح، فأصبح من المعتاد أن تصلنا رسالة التوضيح كل أول شهر، عوضا عن المرتب.

وبدأت تنتشر الدعابات حول رغبة البعض في طبع الرسالة البريدية، وتقطيعها إلي قصاصات صغيرة، ليقوموا بتوزيعها على أصحاب الديون، والجزارين، والبقالين، والناس اللي بيظهروا علطول في الأفلام العربي القديمة.

ومع مرور الوقت، هبت الثورة وبدأت الاعتصامات السلمية.
أولا خمس دقائق خلال وقت الاستراحة في منتصف يوم العمل، ثم بدأت المدة تطول، ثم دخل الموظفون في فترة أنتخة كبيرة جدا، وأنطلقت مسابقات في ألعاب الفيديو.
وهنا لا أنكر تألقي في جميع الألعاب وحصولي على مراكز متقدمة في جميع البطولات. ووقتها كنت لا أعاني مثل غيري من الزملاء، حيث كنت أعزب وأعول نفسي فقط، وليس لدي التزامات، مما ساعدني على التألق في البطولات المتتالية. وأنضممت إلي الثورة بكل قوتي وألهبت لوحة المفاتيح أثناء ممارسة الألعاب.

وأجمل ما في هذه الفترة، هو أننا وصلنا لمرحلة التهجم على المديرين والسخرية منهم، أصلهم بصراحة كانوا مزهقينا في عيشتنا. تعليقات من اللي قلبك يحبها بقي، من شاكلة "حوش اللي وقع منك يا معلم"، "والمعلم بيلحس البلاط يا جدعان"، وهكذا.
وانتقمنا منهم شر انتقام، حيث فقدوا سلطتهم المتمثلة في الثواب والعقاب بالمال والترقيات، حيث اختفي الأمل في الحصول على المرتبات وبالتالي الحوافز، وسقطت من يد كل منهم العصا والجزرة في نفس اللحظة.

وهنا تم رفع الأحذية لأي مدير تسول له نفسه أن يرفع صوته مطالبا بإنهاء العمل. وكان شعارنا "خلي الحذاء صاحي، صاحي"

باستثناء اثنين من المديرين، أحدهم كان رجل محترم جدا، والثاني كان ذكي جدا، وأنضم إلي ثورة الموظفين، بل وكان قيادي فيها.
ولم يفعل كبعض المديرين الذين أخذوا يجوبون الشركة مثل معتوهي القرية، ضاحكين ومهللين أن الثورة ستفشل، وأنهم سيعودون إلي سدة الحكم.

- إذا ما هي قصة ذو الرداء الأسود؟
صحيح، نسيت، معلهش، أصل الجلالة أخذتني شويتين...

بعد أن فاض الكيل وأنهينا جميع الألعاب، وبدأ الأطفال يصوصوا في البيوت بسبب نقص الأموال والثمرات، قام الرجال بالتجمع لمناقشة الوضع الحالي، واستعراض كافة البدائل والحلول المتاحة.

وهنا ظهرت شخصية الزعيم الكبير السيد "على لوز".
وكان يمثل المنسق الإعلامي لموظفي الشركة، ومدير إذاعة "لعب عيال" ورئيس تحرير مجلة "تسالي يا لب".
والموزع الرسمي لإذاعة "هنا لا مؤاخذة المملكة"، وهذه كانت تحت إدارتي الحكيمة طبعا.
والموزع الرسمي لإذاعة "الأشاوس"، وهذه إذاعة انتهت بعد أن تركنا جميعا الشركة، أصلا ما كنتش بحبها، لتهجمها على إذاعة المملكة ذات المصداقية الحقيقة، والغير قابله للنقاش أو التفاوض، "قال أشاوس قال".

المهم، قال الصحفي الجريء والإعلامي الكبير "على لوز"، أن الباشا صاحب الشركة سيأتي غدا في زيارة إلي الشركة، فلماذا لا نرتدي جميعا ملابس سوداء، ونلقاه بهذا اللون القاتم؟

وأعجبتني الفكرة، فأنا من عشاق اللون الأسود، سيد الألوان.
فلم أكذب خبر، أنطلقت إلي المنزل بعد أنتهاء يوم العمل، لكن فور وصولي، أصبحت في حيرة من أمري، فلدي قميص أسود، لكني لا أملك بنطلون أسود؟ فماذا أفعل؟؟؟!!!
قمت بعمل تباديل وتوافيق في محاولة للخروج من هذه المعضلة،،،
- ماذا لو ارتديت القميص الأسود على شورت أسود والحذاء الأسود؟ ولكن ظهرت مشكلة ألوان الجوارب البمبي التي امتلكها!!!
- ثم نظرت حولي في الغرفة ورأيت بنطلون كحلي غامق، فقررت إرتدائه، على الرغم من أن لونه غير مناسب مع اللون الأسود "مش شياكة يعني". لكن كله من أجل عيون صاحب الشركة الغالي.

في صباح اليوم التالي، ذهبت إلي الشركة، تحملني أجنحة الحماس.
ظننت أني سأري جوا معتما من كثرة الألوان السوداء عند البوابة الرئيسية الكبري للشركة، لكن هيهات!!!
الكل يرتدي أزهي الألوان، ولا كأنه أول أيام عيد الأضحي، وكادت أن تفر الدموع من عيني....لكني تماسكت وقلت يا واد طنش خالص.
انطلقت نحو بوابة المبني الذي فيه القسم الذي أتبعه، مررت على الحديقة، شعرت أن الورود والرياحين تستفزني بألوانها الزاهية، دخلت القسم، وجدت الجميع لا يرتدون ملابس سوداء أيضا.

توجهت بكل غضب إلي مكتب الأستاذ "على لوز" الصحفي الجريء....فوجدته مسكينا مثلي، مرتديا أسود في أسود، لكنه كان مختبىء تحت مكتبه!!!
سألته عن السبب؟...فأخبرني بصوت يملأه الخوف:
- "الجميع خانوا الاتفاق، وأخشي ملاحقة قوات أمن الشركة، من بوابين وجناينة".

تركته بيكلم نفسه، وتوجهت إلي أصدقائنا من أصحاب التيارات المختلفة،،،
- أصحاب التيارات الثقافية المتفلسفة المتبعجرة، وهم من ضرب فكرة لبس الأسود في مقتل، وكان شعارهم، "إحنا رجالة، وصاحب الشركة مش هيلبسنا أسود زي الحريم"
والكلام كان براقاً، لكن لم يفعل الرجال الذين رفضوا لبس أسود كالنساء أي شيء!!!

- ذهبت إلي رجال اليأس والإحباط، وشعارهم "ما فيش فايده"،،،
فنظروا إلي، تجاهلوني أو بلغة الشباب نفضوا لي، وعادوا إلي مباريات ألعاب الفيديو الحامية.

- ذهبت إلي رجال التيار العلماني، بتوع حبة فوق، وحبة تحت،،، وكله على كله، ولما تشوفه قله....ويسخنوا الناس وما لهمش دعوة.
وكان موقفهم ثابت لا يتغير، وهو "أحنا ما لناش دعوة، أحنا بنسخن بس"، وشعرت أني في شركة أوليمبك إلكتريك من كثرة التسخين.

ذهبت إلي مكتبي، بردائي الأسود، أجرجر أذيال الخيبة.
وفي هذه اللحظة عرفت شعور أنثي العنكبوت، ولماذا تقتل زوجها، أظن أنه خدعها وطلب منها لبس الأسود يوم الزفاف لتكون مميزة عن كل العرائس الذين يرتدون اللون الأبيض، ثم أخذ يضحك ويسخر منها بعد أن استجابت له، فلسعته في أم رأسه وأجهزت عليه.
ورغم حبي للون الأسود، إلا أني شعرت أنه عار على هذا اليوم.

لكني لم أحزن لأني سعيت للقيام بدوري، وليس على إدراك النجاح، ولست مسئولا عن تصرفات غيري.
ولأني كنت صادقا، جاءتني الفرصة لتوصيل الرسالة إلي الإدارة العليا، عندما جاء مدير حسابات الشركة إلي القسم، وسألني أحد معتوهي القرية "أحد المديرين، وكان برفقة مدير الحسابات" ساخرا، لماذا ترتدي اللون الأسود؟ فصرخت فيهما:
- "حدادا على الشركة المهببة بسواد مغلي"

وكانت هذه نهاية تفصيل الرداء الأسود، أقصد نهاية قصة الرداء الأسود.
والمكواجية اشتكوا لي، من كتر بناطيلي...

ولكن قبل أن نختم، يجب أن نذكر ما قاله الباشا صاحب الشركة في واحد من اجتماعات تصحيح الأوضاع، قال بكل حكمة:
"نحن نمر بظروف صعبة، ورغم طول النفق المظلم الذي نسير فيه، إلا أني أرى ضوءا قادم علينا من بعيد".
فأجابه أحد المديرين الظرفاء:
"هذا الضوء، هو ضوء القطار القادم من الجهة المقابلة في النفق يا باشا!!!".

السؤال الذي يطرح نفسه ويساوي صفر:
ماذا سترتدي قوات الأمن في هذا اليوم، حيث أنهم يرتدون دائما اللون الأسود؟

هناك تعليقان (2):

Unknown يقول...

:) دي بجد و لا تأليف؟

Unknown يقول...

بسم الله
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته

لا هي القصة أحداثها حقيقة فعلا، ولكن تم صياغتها بالشكل الأدبي المناسب من وجهة نظري المتواضعة، مع محاولة ربطها بالأحداث الجارية.

وصلي اللهم على سيدنا محمد وأله وصحبه وسلم